المحتويات

مسطرة الإستماع: إلزاميتها و الجهة المختصة بإجرائها و النتائج المترتبة عن عدم سلوكها

مدى إلزامية مسطرة الاستماع و الجهة المختصة بإجرائها و النتائج المترتبة عن عدم سلوكها

 


أولا: مدى إلزامية مسطرة الاستماع

جاءت صياغة الفقرة الأولى من المادة 62 بصيغة الوجوب، و هو ما يفيد إلزامية مسطرة الاستماع، بينما جاءت الفقرة الأخيرة من نفس المادة بصيغة تفيد عدم إلزامية هذه المسطرة، مما يدفع إلى التساؤل حول مدى إلزامية هذه المسطرة.

لقد أكدت القرارات الصادرة عن محكمة النقض بهذا الخصوص، بأن مسطرة الاستماع هي مسطرة إلزامية و ليست اختيارية، و ذلك باعتبار صيغة الوجوب التي جاءت بها الفقرة الأولى من المادة 62، و هو ما يتبين من خلال القرارين التاليين الصادرين بهذا الخصوص:

·       القرار عدد 854 الصادر عن المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) بتاريخ 23 يونيو 2011 في الملف رقم 122/5/1/2010 الذي جاء فيه:

"لكن، ....... فإنه أمام تمسك المطلوب بكون مشغلته لم تحترم مسطرة الفصل التأديبي المنصوص عليها في المواد 62 و 63 و 64 من مدونة الشغل، ....  و عدم احترام هذه الإجراءات من قبل الطالبة و التي تعتبر إلزامية بدليل التنصيص عليها بصيغة الوجوب،..... و اعتبارا لكون الإخلال بذلك يجعل المحكمة في غنى عن إجراء أي بحث من أجل الاستماع إلى شهود للتأكد من الخطأ المنسوب للأجير، فإن الطرد الذي تعرض له المطلوب يشكل طردا تعسفيا، و هو ما انتهى اليه القرار المطعون فيه و عن صواب الذي كان معلال بما فيه الكفاية، و غير خارق لحق الدفاع، ويبقى ما بالوسيلتين لا سند له".

·       القرار عدد 739 الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 29 ماي 2014 في الملف رقم 509/5/1/2013 الذي جاء فيه:

"لكن حيث إن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه أيدت الحكم الابتدائي الذي اعتبر أن الطرد الذي تعرضت له المطلوبة كان تعسفيا بعدما دفعت هذه الأخيرة بعدم احترام و سلوك الإجراءات المسطرية المنصوص عليها في الفصول 62، 63، 64 و 65 من مدونة الشغل، جاءت بصيغة الوجوب و الذي أوجب المشرع على المشغل سلوكها بكافة مراحلها و وفق الكيفيات المنصوص عليها بالمواد أعلاه، و أن الاخلال بها أو بجزء منها يجعلها و العدم سيان، و يعتبر الطرد في هذه الحالة تعسفيا".

و انطلاقا من القرارين الواردين أعلاه، فإن مسطرة الاستماع هي مسطرة إلزامية على اعتبار أن المادة 62 قد جاءت بصيغة الوجوب، و تضمنت عبارة تفيد الإلزام و هي عبارة "يجب" مما يدل على أن أحكام هذه المادة هي قواعد آمرة يجب التقيد بها، و المسطرة التي تنظمها هي مسطرة إلزامية و ليست اختيارية .

و تؤكد إلزامية هذه المسطرة أحكام الفقرة الثانية من المادة 64 من مدونة الشغل التي تنص على ما يلي:

"يجب أن يتضمن مقرر فصل الأجير الأسباب المبررة لاتخاذه، وتاريخ الاستماع إليه، مرفقا بالمحضر المشار إليه في المادة 62 أعلاه".

ثانيا: على من تقع المبادرة في إجراء مسطرة

تقع المبادرة في إجراء مسطرة الاستماع على المشغل أو من ينوب عنه باعتباره صاحب المبادرة في فصل الأجير.

و هذا ما أكده المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) في القرار عدد 276 الصادر بتاريخ 14/03/2007 في الملف رقم 913/5/1/2006 الذي جاء فيه:

       لكن حيث من استقراء مقتضيات المواد 61، 62، 63، 64 و 65 من مدونة الشغل، يتجلى بأن تطبيق مسطرة الفصل ملقاة بالأساس على كاهل المشغل باعتباره صاحب المبادرة في فصل الأجير بارتكابه للخطأ جسيما، و بالتالي فدور المشغل في هذه المسطرة هو دور إيجابي و ليس سلبيا. فالمشرع و عملا بمقتضيات المادة 62 من المدونة أوجب على المشغل قبل إقدامه على فصل الأجير، أن يتيح له فرصة الدفاع عن نفسه بالاستماع إليه من طرفه أو من ينوب عنه، بحضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي بالمقاولة الذي يختاره الأجير بنفسه، و ذلك داخل أجل لا يتعدى ثمانية أيام....".

       وقد أكد على ذلك القرار عدد 389 الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 20 مارس 2014 في الملف رقم 374/5/1/2013 الذي جاء فيه:

"ولا يجدي الطاعنة القول بأن الأجير ارتكب خطأ جسيما يستوجب طرده، ما دام أنها لم تستمع إليه وفق شروط المادة 62 أعلاه لإثبات هذا الخطأ و لكي يدافع عن نفسه و المطلوب في النقض لم يكن ملزما باللجوء إلى مفتش الشغل لإجراء محاولة الصلح ما  دام أن الطاعنة نفسها لم تسلك مسطرة المادة 62 من مدونة الشغل. و يبقى القرار بذلك معللا تعليلا سليما و غير خارق لأي مقتضى قانوني و الوسيلة لا سند لها"

ثالثا: النتائج المترتبة عن عدم سلوك المشغل لمسطرة الاستماع.

لم ترتب المادة 62 من مدونة الشغل أي جزاء على عدم سلوك المشغل لمسطرة الاستماع رغم نصها على وجوب هذه المسطرة.

وقد رتب الاجتهاد القضائي عن عدم احترام هذه المسطرة سواء بصفة كلية أو جزئية، جزاء بتمثل في اعتبار الفصل الذي تعرض له الأجير في هذه الحالة فصلا تعسفيا موجبا للتعويض حتى و إن كان الخطأ الذي ارتكبه هذا الأخير خطأ جسيما، و استقر على أن المحكمة لا تكون بحاجة إلى مناقشة الأخطاء المنسوبة للأجير في حالة عدم احترام المشغل لمسطرة الاستماع، و هو ما سيتبين من خلال أحكام و قرارات محاكم الموضوع و كذا قرارات محكمة النقض الآتية بعده:

موقف المحاكم الابتدائية:

جاء في الحكم عدد 5367 الصادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بتاريخ 09/07/2008 في الملف رقم 4482/2008 ما يلي:

"... وحيث تمسكت المدعية بعدم احترام مشغلتها لمقتضيات الفصل 62 من المدونة.

وحيث إن الثابت من خلال وثائق الملف أن المدعى عليها قامت بفصل المدعية دون احرام مقتضيات المادة 62 من المدونة و التي تنص على أنه : يجب قبل فصل الأجير أن تتاح له فرصة الدفاع..............

و حيث إنه و أمام عدم احترام المدعى عليها للإجراءات المنصوص عليها أعلاه يكون قرارها بوضع حد للعقد الذي كان يربطها بالمدعية (وإن كانت هذه الأخيرة قد ارتكبت الأخطاء المنسوبة إليها من طرف مشتغلتها) مشوبا بطابع التعسف.

وحيث أنه و الحالة هذه، فإن المحكمة لا تكون في حاجة إلى إجراء أي بحث حول الأخطاء المنسوبة للمدعية ........"

موقف محاكم الاستئناف:

جاء في القرار عدد 4503 الصادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 12/06/2008 في الملف رقم 5208/2008 ما يلي:

"... حيث إن المحكمة بعد اطلاعها على معطيات الملف و مرفقاته و الحكم الابتدائي أن الأجير كان يعمل لدى الشركة المستأنفة بعقد عمل مؤرخ في 12/05/2003 و تدفع المشغلة بالخطأ الجسيم للأجير و المتمثل في عدم تنفيذ التزاماته المسطرة بعقد الشغل و عدم تفانيه في العمل و عدم كفاءته و اضطرت إلى أن تفصله بواسطة رسالة الفصل تضمنت الأخطاء المنسوبة إليه إلا أن الأجير دفع بعدم احترام المشغلة للمواد 62، 63، 64 من مدونة الشغل.

و حيث إنه و أمام عدم احترام المشغلة للمواد 62 و 63 و 64 من مدونة الشغل بمنحه فرصة للاستماع إليه قبل فصله عن العمل يغني المحكمة عن مناقشة الأخطاء المنسوبة إليه من طرف المشغلة مما يجعل ما خلصت إليه المحكمة الابتدائية و تعليلها الذي جاء مصادفا للصواب مرتكزا على أساس قانوني سليم ينبغي تأييده ...".

وجاء في القرار عدد 645 الصادر عن محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 22/12/2009 في الملف رقم 262/2009/15 ما يلي:

"بما أن المشغلة لم تمنح للأجير فرصة الدفاع عن نفسه و لم تحترم مسطرة الاستماع إليه المنصوص عليها في المادة 62 من مدونة الشغل، فإن الفصل يعتبر تعسفيا بغض النظر عن ارتكاب الأجير للخطأ المنسوب إليه".

موقف محكمة النقض:

جاء في القرار عدد 761 الصادر عن المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) بتاريخ 2 يونيو في الملف رقم 16/5/1/2010 ما يلي:

".... حيث يعيب الطاعن على القرار خرق مقتضيات المادة 62 و ما يليها من مدونة الشغل و نقصان التعليل الموازي لانعدامه و تناقض حيثياته، ذلك أنه اعتبر المطلوبة في النقض لم تسلك مسطرة الفصل و مع ذلك ألغى الحكم الابتدائي فيما قضى به من تعويض عن الضرر و قضى برفض الطلب بشأنه، مما يجعل تعليله غير مستقيم مع المنطق القانوني إذ الثابت من وثائق الملف عدم سلوك المطلوبة المسطرة المذكورة و اكتفت بتبليغه مقرر الفصل  و هو ما أقرت به، مما يجعل القرار على نحو ما قضى به مضطرا بحقوقه فهو بذلك عرضة للنقض.

حيث تبين صحة ما نعته الوسيلتان على القرار، ذلك أنه بتأكيده أن المطلوبة لم تسلك مسطرة الفصل المنصوص عليها بالمادة 62 و ما يليها من مدونة الشغل يكون قد تثبت من وجود مقرر بالفصل يجب قبل إصداره احترام الإجراء المذكور و هو ما يفضي بالضرورة إلى أحقية الطاعن في التعويض عن الضرر اللاحق به جراء إنهاء العقد المحدد المدة الرابط بينه و بين المطلوبة قبل أوانه  بدون مبرر عملا بأحكام الفقرة الثالثة من المادة 33 من نفس المدونة، إلا أن المقرر لما قضى برفض هذا التعويض رغم ما ذكر يكون قد تناقض في موقفه، مما يجعله فاسد التعليل الموجب لنقضه و إبطاله بهذا الخصوص.

و أن حسن سير العدالة و مصلحة الطرفين يقتضيان إحالة القضية على نفس المحكمة.

لهذه الأسباب:

قضى المجلس الأعلى بنقض و إبطال القرار المطعون فيه"

كما أن القرار عدد 854 الصادر بتاريخ 23 يونيو 2011 في الملف رقم 122/5/1/2010 و القرار عدد 739 الصادر بتاريخ 29 ماي 2014 في الملف رقم 509/5/1/2013 المذكوران أعلاه قد أكدا على نفس المنحى.

و يترتب عن اعتراف القضاء بصفة التعسف للفصل التأديبي لا يحترم فيه المشغل مسطرة الاستماع كما هي منصوص عليها في المادة 62، استحقاق الاجير للتعويضات المخولة له في إطار مدونة الشغل في حالة الفصل التعسفي، و هي التعويض عن أجل الإخطار، و التعويض عن الفصل و التعويض عن الضرر.

 

 المصـــدر:

وزارة الشغل و الإدماج المهني: مذكرة توضيحية لأحكام المادة 62 من مدونة الشغل على ضوء الاجتهاد القضائي، السنة 2017.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-