مداخلة في موضوع: الإمهـــال القضائي.
في الشق المتعلق بالقواعد الإجرائية
للاستفادة منه
القواعد المسطرة للاستفادة من الإمهال القضائي
إن أول ما يستلزمه النزاع الاستهلاكي، هو
معرفة المستهلك أو نائبه القاضي المختص سواء محليا أو نوعيا للبت في الطلب (الفقرة
الأولى) و كذلك معرفته بالمسطرة المتبعة من أجل الاستفادة من الإمهال القضائي
(الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: الجهة المختصة للبت في طلب الاستفادة من الإمهال القضائي
إذا كان المشرع المغربي قد منح الاختصاص للبت
في طلب الامهال القضائي لرئيس المحكمة بموجب المادة 149[1] من
قانون 31.08 فإن الإشكال يثار بخصوص الرئيس المختص نوعيا و محليا في طلب
الإمهال القضائي (أولا) و الصفة التي يبت بها (ثانيا)
أولا: الرئيس المختص نوعيا و محليا في طلب الإمهال القضائي
سنقف بداية عند تحديد
رئيس المحكمة المختص نوعيا (أ) للبت في طلب الإمهال على أن نناقش بعد ذلك الرئيس
المختص محليا في هذا الأخير (ب).
أ-
الرئيس المختص نوعيا في البت في الطلب
لقد خلقت عبارة "رئيس
المحكمة المختص"[2]
الواردة في الفصل 149 من قانون حماية المستهلك تضاربا على مستوى الاختصاص النوعي لدى
الفقه و القضاء كما يتجلى لنا ذلك من خلال مجموعة من الأوامر القضائية المتعلقة
بالإمهال القضائي، إذ يلاحظ أنه تارة يكون مصدر الأمر بالإمهال رئيس المحكمة
الابتدائية و تارة يكون مصدر الأمر رئيس المحكمة التجارية؛ من ذلك مثلا:
نجد العديد من الأوامر
المتعلقة بمنح الإمهال القضائي الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية و نعطي مثال
بذلك بـ:
-
أمر صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بالجديدة في ملف رقم
855/2018 حيث جاء فيه: " استقالة الموظف المقترض و التحاقه بمهنة المحاماة
كمحام متمرن يصعب معها تسديد أقساط الدين بالنظر لمحدودية المنحة المخولة له خلال
مدة التمرين طبقا لقانون المحاماة و هو الأمر الذي يفرض وقف الالتزامات المذكورة
الى غاية اجتيازه المدة المذكورة "[3]
في مقابل ذلك نجد كذلك
العديد من الأوامر المتعلقة بمنح الإمهال القضائي صادرة عن رئيس المحكمة
التجارية، و هنا نعطي مثال بذلك بــــ:
-
أمر عدد 207/ 2019 صادر عن رئيس المحكمة التجارية بوجدة في الملف رقم
135/8101/2019 بتاريخ 15/ 08/2019، حيث جاء فيه: "توقف المدعية عن العمل نتيجة
طردها من طرف مشغلتها سبب مبرر لوقف التزامات المدعية المترتبة عن عقد القرض الذي أبرمته مع المدعى عليه مؤقتا و ذلك ابتداء
من توقفها عن أداء قسط القرض إلى غاية اقتضائها التعويضات المحكوم بها لفائدتها
على ألا تتجاوز فترة الإمهال القضائي سنتين، مع وقف احتساب الفوائد طيلة الفترة
المذكورة"[4]
و نرى أن هذا التضارب على مستوى الاختصاص النوعي للبت في طلب الإمهال
القضائي مرده إلى طبيعة عقد القرض؛ حيت نجد أن هناك ثلاث اتجاهات، بين من يرى أن
عقد القرض هو عقد مدني، و من يرى بأنه عقد تجاري صرف، و من يرى بأن عقد القرض هو
عقد مختلط أي أنه يجمع بين العقد المدني و عقد تجاري، مدني إذا نظرنا إليه من
زاوية المقترض المستهلك، و تجاري إذا نظرنا إليه من زاوية المقرض المهني؛ حقيقة إن
هذا الاتجاه الأخير هو الاتجاه الغالب فقها و قضاء، و هو ما يبرر التضارب على
مستوى الرئيس المختص للبت في طلب الإمهال القضائي الذي اشرنا إليه أعلاه.
يرى أحد الباحثين أن الهدف من جعل عقد القرض الاستهلاكي عقد مختلط هو أنه
باعتبار المقترض هو الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية التي تربطه بالمقرض فإن
إعادة التوازن إلى هذه العلاقة يفترض حمايته، من خلال تمكينه من اختيار المحكمة
باعتباره عقد القرض عقد مختلط، لأنه من غير المستساغ تطبيق القواعد التجارية من
حرية الاثبات و إسناد الاختصاص للمحاكم التجارية، ضد طرف ضعيف ارتضى التعامل مع المؤسسة
البنكية مجبرا و ليس مخيرا و بالتالي فإن هذا التعامل لا يعني ارتضاء النهج الذي
تسير عليه البنوك[5].
ب-
الرئيس المختص محليا في طلب الإمهال القضائي
من خلال مقتضيات المادة 111[6] و المادة
202 [7] من قانون
31.08 نستشف أن المشرع المغربي منح الاختصاص المحلي، في النزاعات
الناشئة بين المورد و المستهلك، لمحكمة موطن أو محل إقامة هذا الأخير و بذلك فإنه
و من خلال هذه المقتضيات يمكن القول بأن رئيس المحكمة المختص محليا في طلب الإمهال
القضائي، هو رئيس المحكمة لموطن أو محل إقامة المستهلك.
إن المشرع من خلال منحه الاختصاص المحلي
لرئيس المحكمة لمحل موطن أو إقامة المستهلك، يتبين بأنه راعى المصلحة الاجتماعية
لهذا الأخير و ذلك على حساب المورد، و أعاد الأمور لوضعها الطبيعي من خلال النصوص
المسطرية أعلاه المضمنة بقانون 31.08 و حسنا فعل، واضعا بذلك قيدا قانونيا على المورد من إسناد
الاختصاص المحلي لغير هذه المحكمة التي نص عليها القانون[8] و اعتبر
كل شرط مخالف كأن لم يكن.
ثانيا: الصفة التي يبت بها رئيس المحكمة في طلب الإمهال القضائي
إن رئيس المحكمة سواء تعلق الأمر بالمحكمة الابتدائية أو المحكمة التجارية،
يختص بالبت في الأوامر المبنية على طلب في إطار المادة 148 من ق م م، و القضايا
الاستعجالية في إطار الفصل 149 من ق م م.
بالعودة للمادة 149 من قانون 31.08 نجد أنها لم تبين الصفة التي
يبت بها رئيس المحكمة بمناسبة نظره في طلب الإمهال القضائي، و هناك من يقول بأن
مناط ذلك هو تلافي صدور حكم بعدم الاختصاص لأنه و جه إلى جهة غير مختصة[9].
بهذا الخصوص صدر أوامر
قضائية متضاربة، حيت جاء في معرض تعليل لأمر صادر عن رئيس المحكمة التجارية بالدار
البيضاء، بأن الطلب يدخل ضمن إطار مقتضيات المادة 149 من قانون 31.08 و أن رئيس المحكمة يبت في إطار
المادة المذكورة بصفته قاضيا للمستعجلات، فإن قدم لجهة غير مختصة، و قضي بعدم
الاختصاص و إبقاء الصائر على عاتق المدعي[10].
في حين نجد أوامر صادرة عن رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات، من ذلك
مثلا الأمر عدد 207/2019 الصادر عن المحكمة التجارية بوجدة في الملف رقم:
135/8101/2019 تاريخ صدوره: 15/08/2019، حيث أسس تعليله في إصدار الأمر على الفصول
1، 32، 38، 39، 50، 124، 149، 448، من قانون المسطرة المدنية، و لمقتضيات المادة
149 من قانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك[11]؛ و
الفصل هنا يتحدث عن رئيس المحكمة بصفته قاضي للمستعجلات.
و نحن نرى بأن هذا الاتجاه الأخير هو الأصح و الواجب للاتباع تعزيزا لحماية
المستهلك المقترض في العلاقية التعاقدية بين المهني و المستهلك.
الفقرة الثانية: إجراءات طلب الاستفادة من الامهال القضائي
إن المشرع المغربي
في المادة 149 من قانون 31.08 لم ينص على أجل رفع دعوى الحصول على مهلة قضائية، لذلك فإنه يبقى
للمستهلك الحق في سلوك مسطرة الإمهال القضائي أمام الجهة القضائية المختصة المشار
لها أعلاه، حيت يمكنه رفع مقال أمام رئيس المحكمة المختص للمطالبة بمهلة قضائية، و
يبقى لرئيس المحكمة السلطة التقديرية في الاستجابة لطلب المستهلك في مهلة قضائية
أو رفض الطلب.
و هذا ما سوف نتوقف
عنده من خلال الوقوف عند المسار الإجرائي لطلب الإمهال القضائي بدءا من تقييدها
(أولا) و انتهاء عند دور القاضي في تسييره لهذه المسطرة ثانيا (ثانيا).
أولا:
تقييد مقال الافتتاحي من طرف المستهلك
إن تقييد مقال الامهال
القضائي، يخضع للقواعد العامة الواردة في قانون المسطرة المدنية المتعلقة بتقييد
الدعوى، حيث أن تقييد طلب الامهال يخضع بداية لأداء الرسوم بصندوق المحكمة، حيث
يتم أداء الرسم القضائي من طرف المستهلك
طالب المهلة عند تسجيله الطلب بالمحكمة و ذلك تحت طائلة عدم قبول طلبه.
و بما أن طلب الامهال القضائي يقدم لرئيس
المحكمة فإن المبلغ الواجب أدائه من قبل المستهلك عند تقييد دعواه بالمحكمة هو 50
درهم[12]، و ذلك
سواء أمام المحكمة الابتدائية أو التجارية.
و لقبول دعوى المستهلك
أيضا فإنه يتوجب من الناحية الشكلية أن يحترم طلب مهلة قضائية مجموعة من البيانات
المنصوص عليها في الفصل 32[13] ق م م
المتعلقة بالمقال الافتتاحي.
ثانيا:
دور القاضي في تسيير طلب الإمهال القضائي
بمجرد أن يضع رئيس المحكمة أو من ينوب عنه يده على القضية، أو إجراء يقوم
به هو تعيين جلسة يستدعى لها الأطراف حيث يتم استدعاء الطرف المدعي المستهلك، و
الطرف المدعى عليه المورد مع إعلامه بتاريخ الجلسة و تبليغه بنسخة من المقال قصد
إبداء دفوعاته، و يبقى للقاضي السلطة في تقدير الحجج المقدمة مع المقال لإثبات،
حيث أن عليه الإدلاء بما يفيد وضعيته الصعبة الحائلة دون تنفيذ التزاماته
التعاقدية في مواجهة المور المقرض، لأجل الاستفادة من المهلة القضائية.
و بعد اعتبار القضية جاهزة يتم حجزها للتأمل قصد
إصدار الأمر من قبل رئيس المحكمة، حيث يتم مراقبة الشروط الشكلية التي تم الإشارة
إليها أعلاه، و كذلك مدى توفر الشروط الموضوعية[14] لمنح
المهلة القضائية و فق ما سبق الإشارة إليها أعلاه، ليخلص في الأخير إلى قراره
القاضي بمنح المستهلك طالب المهلة القضائية بمنحها أو رفض الطلب.
[1] -
لعل النقاش الذي أثير في إطار مقتضيات الفصل 243 من ظ ل ع أصبح عميقا و غير ذي أثر
بعد صدور القانون 31.08 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك، بتحديد
الجهة المختصة في طلب الإمهال القضائي.
[2] -
حيث تنص الفقرة الأولى من المادة 149 من قانون حماية المستهلك على ما يلي: "…. أن يوقف تنفيذ التزامات
المدين بأمر من رئيس المحكمة الختصة…"
[3] -
أمر منشور، بالمؤلف الجماعي، حماية المستهلك بين النصوص القانونية و العمل
القضائي، مرجع سابق، الصفحة 430 - 432
[4] -
أمر منشور، بالمؤلف الجماعي ، حماية المستهلك بين النصوص القانونية و العمل
القضائي، مرجع سابق، الصفحة 437 – 439
[5] -
نجاة السعيد، حماية المستهلك في عقد القرض العقاري الاستهلاكي، رسالة لنيل دبلوم
الماستر في القانون الخاص، بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية، جامعة القاضي عياض
مراكش، السنة الجامعية 2012- 2011، الصفحة: 20
[6] - ينص هذا الفصل على :
" يجب أن تقام دعاوى المطالبة بالأداء أمام المحكمة التابع لها موطن أو محل إقامة المقترض خلال السنتين المواليتين للحدث الذي أدى إلى إقامتها تحت طائلة سقوط حق المطالبة بفوائد التأخير.
ويسري هذا الأجل ابتداء من التاريخ الذي أصبح فيه قسط الدين موضوع نزاع طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل بشان مؤن تغطية الديون غير المؤداة.
إذا كانت كيفيات تسديد الأقساط غير المؤداة محل تعديل أو إعادة جدولة، فان أجل سقوط الحق يبتدئ منذ أول عارض لم تتم تسويته بعد أول تعديل أو إعادة جدولة اتفق عليها المعنيون بالأمر.
إذا كان عدم تسديد الأقساط ناتجا عن الفصل عن العمل أو عن حالة اجتماعية غير متوقعة، فان إقامة دعوى المطالبة بالأداء لا يمكن أن تتم إلا بعد إجراء عملية للوساطة.
لا يحتسب أجل سقوط الحق إلا بعد استنفاذ مسطرة الوساطة والتي يجب أن تبدأ خلال سنة من تاريخ التصريح بتوقف المقترض عن الأداء.
في حالة
اللجوء
إلى
الوساطة،
لا يمكن تحميل المقترض فوائد التأخير أو أي مصاريف مترتبة عن هذه المسطرة."
[7] -
ينص هذا الفصل على : " في حال نزاع بين المورد و المستهلكين و رغم وجود أي
شرط مخالف، فإن المحكمة المختصة هي محكمة موطن او محل إقامة المستهلك أو محكمة
المحل الذي وقع فيه الفعل المتسبب في الضرر باختيار هذا الأخير "
[8] - محمد هدهود، الامهال القضائي في قانون حماية
المستهلك، بحث نهاية التكوين بالمعهد العالي للقضاء، فترة التكوين ، 2015- 2017، الصفحة:
46
[9] - محمد هدهود، الامهال القضائي في قانون حماية المستهلك، مرجع سابق، ص: 47
[10] -
قرار أورده محمد هدهود، في بحثه، الامهال القضائي في قانون حماية المستهلك، مرجع
سابق، ص: 47
[11] -
قرار منشور في المؤلف الجماعي، حول حماية المستهلك بين النص القانوني و العمل
القاضي، مرجع سابق، ص 437 – 439
[12] و ذلك حسب الفصل 26 من ظهير المصاريف القضائية،
حيث جاء فيها: " يستوفى عن
كل إجراء منجز بناء على طلب
: أمام رئيس المحكمة الإبتدائية
............................................. 50 درھما ؛ "
[13] - ينص هذا الفصل على ما
يلي: " يجب أن يتضمن المقال أو المحضر الأسماء العائلية والشخصية وصفة أو مهنة وموطن أو محل إقامة المدعى عليه والمدعي وكذا عند الاقتضاء أسماء وصفة وموطن وكيل المدعي، وإذا كان أحد الأطراف شركة وجب أن يتضمن المقال أو المحضر اسمها ونوعها ومركزها.
يجب أن يبين بإيجاز في المقالات والمحاضر علاوة على ذلك موضوع الدعوى والوقائع والوسائل
المثارة
وترفق
بالطلب
المستندات
التي
ينوي
المدعي
استعمالها
عند الاقتضاء
مقابل وصل
يسلمه
كاتب
الضبط
للمدعي
يثبت
فيه
عدد
المستندات
المرفقة ونوعها.
إذا قدم الطلب بمقال مكتوب ضد عدة مدعى عليهم وجب على المدعي أن يرفق المقال بعدد من النسخ مساو لعدد الخصوم.
يطلب القاضي المقرر أو القاضي المكلف بالقضية عند الاقتضاء تحديد البيانات غير التامة أو التي تم إغفالها ،
كما
يطلب
الإدلاء
بنسخ
المقال
الكافية
وذلك
داخل
أجل
يحدده، تحت
طائلة
الحكم
بعدم
قبول
الطلب.
[14] -
انظر الفصل 149 من قانون 31.08