عرض حول تعليل الأحكام و دوره في تعزيز الثقة في القضاء في ضوء النموذج التنموي الجديد.
إن ورش إصلاح القضاء المغربي يرتبط ارتبطا و ثيقا بآفاق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية داخل المملكة، لذلك شكل محورا اساسيا في تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد، و الذي صدر في شهر ماي الماضي بعد عدة أشهر من التفكير و النقاش الجادين مع مجموعة من الفاعلين السياسيين و الاقتصاديين و المدنيين قضلا عن رجال القانون من أساتذة جامعيين و محامكين و قضاة، و في الجانب المتعلق بمنظومة العدالة عقدت لجنة النموذج التنموي لقاء تواصليا مع المجلس الأعلى للسلطة القضائيا و رئاسة النيابة العامة بتاريخ 25/06/2021، حيث تم عرض التشخيص الذي قامت به اللجنة المذكورة لمنظومة العدالة و اقترااحاتها لرفع وثيرة إصلاح الجهاز القضائي، من أجل تعزيز دولة الحق و القانون و استعادة الثقة في القضاء.
و من بين ما أشار إليه تقرير النموذج لجنة النموذج التنموي في جانب التشخيص إلى أنه منم بين المعيقات الأربعة الأساسية التي تعد مصدر تراخي دينامية التنمية بالمغرب -ضعف الثقة في منظومة العدالة-.
و هو ما أكده د/محمد عبد النبوي الرئيس للمجلس الأعلى للسلطة القضائية خلال اللقاء التواصلي المنظم مع لجنة النموذج التنموي المشار إليه أعلاه، حيث أكد على: " و جود أزمة ثقة بين المواطنين و النظام القضائي".
و فقدان الثقة في جهاز القضاء لا يقتصر على المغرب فقط، بل أضح إحدى إشكاليات العصر وفي العديد من الدول بما فيها الدول التي تعتبر نفسها رائدة في مجال الدمقراطية و حقوق الإنسان، ففي استطلاع للرأي أنجزه معهد "إيفوب IFOP" لفائدة مجلة "ليكسبريس" الفرنسية التي نشرته في 2019/10/29، تبين أن فرنسا واحدا من أصل فرنسيين اثنين لا ثقة له في الجهاز القضائي الفرنسي.
كما أن أزمة الثقة ليست خاصة بمنظومة العدالة بل تشمل علاقة المواطن بكل أجهزة الدولة و مؤسساتها، و هي ليست حديثة بل قديمة حتى أنها أنتجت ثقافة تكرسها و ترفعها إلى مستوى البداهة، نتيجة التشنجات و المصادمات بين مؤسسة القضاء بالمغرب و المتقاضين و المتعاملين معها، فقد ساهمت التراكمات السلبية التي شهدتها هذه المؤسسة على مر أكثر من نصف قرن من الزمن في تلاشي عنصر الثقة.
و يكتسب موضوع الثقة في الجهاز القضائي أهمية خاصة و ذلك من زاويتين: الأول: إن تعزيز الثقة في النظام القضائي أصبح غاية في حد ذاته، فغياب الثقة في النظام القضائي قد يحدث آثار اجتماعية غير محدودة لعل أبرزها لجوء الأفراد العدالة الخاصة، و ازدياد العنف و ضعف الثقة في النظام الاقتصادي.
و الثانية أنه لكي يقوم القضاء بدوره الكامل في خلق الثقة في النظام الاقتصادي و المساهمة في تدعيم المنافسة في المجالين الاقتصادي وé الماي كركيزة أساسية في جلب الاستثمار و تحقيق التنمية، يجب تحسين منسوب الثقة في القضاء أولا بكل الوسائل التي تحقق هذه الغاية عملا بمبدأ فاقد الشيء لا يعطيه.
لذلك فإن إرجاع الثقة في القضاء تحتاج إلى جهد موصول و همية عالية و اتخاذ مجموعة من الوسائل المادية و البشرية حتى يثق الناس فيه و يذعنوا لأحكامه دون توجس، و ما من شك أن تعليل الأحكام يتموقع و يتربع على قمة تلك الوسائل، على اعتبار أن تسبيب الأحكامو القرارت القضائية يعد من بين أهم الشروط الأساسية لتحقيق الجودة في الأحكام من جهة، و ضمان المحاكمة العادلة من جهة أخرى، بما يترتب عنهما من تحقيق للأمن القضائي، من خلال زرع الثقة في القضاء، فالتعليل يؤدي لإقناع أطراف الدعوى بأهمية الحل الذي تضمنه الحكم القضائي، و يجعلهم مقتنعين بعدالة المحكمة مما يؤذي إلى زرع الطمأنينة في نفوس المستثمرين و يشجعهم على القيام بمزيد من الأنشطة الاستثمارية، إذ من المعلوم أن رأسمال جبان كما يقال، فهو إذا ما أحس بالخوف على مصالحه يهرب الى حيث يجد الأمان، لذا كان للتركيز على أهمية دور القضاء في تحقيق التنمية ما يبرره، فانعدام الثقة في الجهاز القضائي أمر مدمر للاستثمار و للتنمية.
و تعليل الحكم أو القرار هو إيراد الحجج الواقعية و القانونية المبني هو عليها، و المنتجة هي له.
أما الثقة فهي في اللغة تعني الائتمان، جاء في لسان العرب "وثق به ائتمنه"، و اصطلاحا (قاموس أكسفور 799:2003) هي الشعور الإيجابي الذي يتملك الفرد اتجاه الطرف الآخر من حيث ثقته بقيامه بالأعمال و الأفعال المتفق عليها، و يطلق أيضا في الفقه و يراد به: (المؤتمن في الأموال و الأقوال و الأفعال).
و يستعمل في علم النفس و يراد به: (علاقة اعتماد و صدق وفاء بين شخصين).
فالثقة هي علاقة عاطفية و حسية و بنية عقلية لها آثار على الأداء الاجتماعي و السلوك الاقتصادي؛ و انطلاقا من هذا المفهوم العام يمكن أن نعتبر المتقاضي بمثابة ذلك الذي يبحث عن جودة العدالة.
فهل القاضي في النظام القضائي المغربي ملزم بتعليل أحكامه؟ و كيف يمكن أن يساهم تعليل الأحكام في تعزيز الثقة في الجهاز القضائي؟ و إلى أي مدى يمكن لتعزيز الثقة في الجهاز القضائي أن يساهم في جلب الاستثمار و تحقيق التنمية في ضوء النموذج التنموي الجديد؟
للإجابة عن هذه الإشكالية سأتناول الموضوع في ثلاثة محاور:
المحور الأول: مبدأ وجوب تعليل الأحكام في التشريع المغربي.
المحور الثاني: دور تعليل الأحكام في تعزيز الثقة في القضاء.
المحور الثالث: دور تعزيز الثقة في الجهاز القضائي في تحقيق التنمية.
للإطلاع على المقال كاملا يمكنكم تحميله بالضغط هنا.