العوارض الثانوية التي تؤثر في أهلية الأداء
في
الوقت الذي و سعت فيه بعض التشريعات من هذه العوارض، نجد المشرع المغربي اقتصر على
تناول بعضها بمقتضى نصوص خاصة كما هو الشأن بالنسبة لمانع الحكم بعقوبة جنائية،
حيث بالرجوع للفصل 38 من القانون الجنائي المغربي، نجده ينص على أن "الحجر القانوني يحرم المحكوم عليه من
مباشرة حقوقه المالية طوال تنفيذ العقوبة الأصلية ...". أي أنه عن طريق الحجر القانوني كعقوبة إضافية،
يمكن حرمان الشخص المحكوم عليه بهذه العقوبة من إجراء التصرفات القانونية إلى غاية
انتهاء مدتها.
و قد
ذهب بعض الفقه المغربي، إلى أن هذا الشخص بالرغم من أنه كامل الأهلية، إلا أنه
يخضع للحجر لأسباب تعود إلى العقوبة من جهة، و حماية للنظام العام من جهة أخرى؛ و
من ثم، فإنه إذا أقدم المحكوم عليه بعقوبة جنائية بإجراء تصرف معين، فإن هذا
التصرف يعتبر باطلا طبقا للفصل 38 السالف الذكر.
أما
السكر، فإنه لا يستوجب الإبطال بالرغم من عدم تنصيص المشرع المغربي عليه صراحة؛ و
يمكن أن نستشف ذلك من الفقرة الأخيرة من المادة 217 من مدونة الأسرة، التي جاء
فيها: " الفقدان الإرادي للعقل لا يعفي من المسؤولية".
و
بمفهوم المخالفة، فإن الفقدان الاضطراري للعقل يترتب عنه الإعفاء من المسؤولية، و
من ذلك حالة السكر غير الإرادي.
و قريب
من هذا الحكم، ما نص عليه المشرع المغربي في الفصل 93 من ظهير الالتزامات و العقود
فيما يخص المسؤولية التقصيرية؛ حيث جاء فيه "السكر، إذا كان اختياريا، لا
يحول دون المسؤولية المدنية في الالتزامات الناشئة عن الجرائم و أشباه الجرائم. و
لا مسؤولية مدنية إذا كان السكر غير اختياري و على المتابع إثبات هذه
الواقعة". كما نصت مدونة الأسرة على حالة الطلاق الواقع من السكران، حيث جاء
في المادة 90 منها على أنه لا يقبل طلب الإذن بطلاق السكران الطافح و المكره و كذا
الغضبان إذا كان مطبقا.
في
مقابل هذه العوارض التي نص عليها المشرع المغربي إما بشكل صريح أو ضمني، فإن هناك
حالات أخرى لم ينص عليها و لو من باب التلميح، في الوقت الذي خصصت لها تشريعات
أخرى أحكاما خاصة، كما هو الشأن بالنسبة للعاهة المزدوجة التي نصت عليها معظم
التشريعات العربية، كالقانون المدني الأردني الذي نص عليها بمقتضى المادة 132 منه،
حيث جاء فيها "إذا كان الشخص أصم أبكم أو أعمى أصم أو أعمى أبكم و تعذر عليه
بسبب ذلك التعبير عن إرادته جاز للمحكمة أن تعين له وصيا يعاونه في التصرفات التي
تقتضي مصلحته فيها ذلك".
يتضح
لنا من هذه المادة، أن الشخص الذي تجتمع فيه عاهتين من العاهات الثلاث، العمى و
البكم و الصم، ليس ناقص الأهلية، بل إن التصرف القانوني يعتبر منعقدا بإرادة
صاحبه؛ كلما هنالك أن المشرع قرر له نوعا من الحماية، تتمثل في مساعدة الوصي في
التعبير عن إرادته؛ و هذا هو الرأي الذي يؤيده جمهور الفقه، على اعتبار أن هذه
الأمراض لا تعوق و جود الإرادة مادامت غير مصحوبة باضطرابات عقلية. و لعل هذا
الرأي يمكن تأييده بأحكام المادة 97 من ظ ل ع التي جاء فيها: " الصم
البكم و غيرهم من ذوي العاهات يسألون عن الأضرار الناتجة من أفعالهم أو أخطائهم
إذا كان لهم من التمييز الدرجة اللازمة لتقدير نتائج أعمالهم"
مقتطف
من كتاب الاستاذ عبد الرحمان الشرقاوي: القانون المدني، دراسة حديثة للنظرية
العامة للالتزام في ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة للقانون الاقتصادي، الجزء الأول مصادر
الالتزام، التصرف القانوني، مطبعة الأمنية الرباط، الطبعة السابعة 2022، الصفحة:
137 – 139.